08/04/2010
المدنيه ملاذنا الوحيد
بالحقيقه يؤسفني جدا وضع ليبراليوا الكويت الذين هم بلا مبالغه النخبه الفكريه لهذا المجتمع وأني على ثقه انهم لو اتحدوا وكونوا تنظيما سياسيا متماسكا سيكونون قادرين على خلق مستقبل يليق بمكانة هذا البلد وطاقاته البشريه التي لا ينقصها سوى التوجيه الفكري السليم.
فكرة الحزب المدني المتماسك هي أكبر بكثير من كل الإختلافات بالقضايا السياسيه والإجتماعيه وغيرها من الأمور والشؤون التي ان لم نختلف فيها فلن نكون بشرا متميزين بإختلاف عقولنا وأفكارنا بل سنكون تابعين ومتبوعين وبذلك تصبح كل ادعاءاتنا للتنوير والمدنيه مجرد اوهام نحاول اقناع أنفسنا بها.
لا يمكن تحقيق المدنيه بدون الأدبيات العلمانيه والليبراليه فوحدها هذه الأدبيات قادره على غرس قيم التعدديه بكل مجالات الإختلاف بحياد وموضوعيه وان كانوا جزئيين. لا أحد كامل وكل فرد يتعامل مع هذه الأدبيات والمبادئ من منظوره الشخصي ومهما كان ذلك المنظور شاذا ومختلفا عن مايراه العموم فهم ملزمون على الأخذ به ان جاء متجانسا ومنتميا لتلك الأدبيات وملزمون برفضه ان عارضها وخالفها. لذلك وكما قلت سابقا وأقولها اليوم من يدلس ويحاول أن ينشر قيما اقصائيه قمعيه بإسم الحريه معتمدا على مفهومه الخاص الذي هو شرقي بالغالب لمبدأ (حريتك تنتهي عندما تتعدى على حريات الآخرين) أو ينشر مفهوم (ثوابتنا وعاداتنا) وغيرها من الطروحات والمفاهيم التي لا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بالحريه والتعدديه هو عدو للمدنيه والتنوير لا يقل رجعيه واقصائيه عن أي اصولي. قمع الحريه بإسم الحريه مبدأ مرفوض جملة وتفصيلا.
قد نختلف بأمور السياسه المحليه أو الخارجيه وهذا أمر طبيعي لكن يجب أن نعي تماما أن هذه الإختلافات ليست مسوغا كي نفقد الأمل بالمدنيه التي لا تهزها ريح اختلاف قضيه سياسيه أو اخرى. لذلك شخصيا لا اجد أي غضاضه بالإختلاف السياسي سواء محلي أو عالمي مع إخواني بالمدنيه لكن من منظور سياسي بحت وليس فكري لكن الإعتراض أو بالأصح الإمتعاض لدي ولدى غيري هو اختيار هؤلاء لمسارات أو طرق سياسيه على حساب هدم مبادئنا الفكريه المشتركه. وهنا أقصد تحديدا بعض أصدقائنا الليبراليين المنتمين سياسيا لمسار (المعارضين الجدد) الذين تحولوا بقدرة قادر من مدافعين شرسين عن الحريات أولها الحريات الإعلاميه الى مطالبين بتطبيق قوانين تقمع الحريه الإعلاميه بشكل شامل فقط بسبب عداوتهم لما يسمونه بالإعلام الفاسد. كنا نقول لهم سابقا لا للشتم والتجريح اليوم نقول لهم اشتموهم ؛ اكرهوهم ؛ ارشقوهم بالطماطم والبيض الفاسد ان أردتم لكن لا تساندوا القمع الإعلامي فهذا كفر بالمبادئ التي تجمعنا. هنا يحق لنا الإعتراض فالمبادئ الفكريه التي تجمعنا هي أساسات ثابته ضد الميلان و الإنحراف لذلك من غير المعقول ولا المقبول أن تنسفوها بسبب مسار سياسي محلي مرحلي. نفس الكلام ينطبق بالسياسه الخارجيه وهنا أقصد الإخوان المتأثرين بعقلية القوميه وكراهية الصهيونيه والعالم الغربي الذين كلما اشتد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني انتهزوها فرصه لتسليط سهام الكراهيه والحقد على كل من لا يذرف دموع التعاطف مع الفلسطينيين والمزايده على انسانية وموضوعية كل من يرفض الحرب الدينيه وما يتخللها من تعصب قومي عقائدي يخالف صراحة الفكر الليبرالي.
هذا بالنسبه للسياسه نأتي الى الإختلافات الإجتماعيه التي تشعل نار فتيلها التيارات الأصوليه وحلفائها المحافظين المتسترين بأقنعة المدنيه والوطنيه. عندما ننادي بالمدنيه هذا يعني اعترافنا المسبق بتقبل جميع اختلافات الآخرين الإجتماعيه عنا سواء كانت قيم اجتماعيه ؛ سلوكيات ؛ معتقدات دينيه أو لادينيه ؛ اهتمامات وأنماط حياة وغيرها من الشؤون الإجتماعيه التي يصر البعض على انها موحده ومن يشذ عنها فهو مجرم ومنبوذ. بمجتمعاتنا يعتبر الغير مسلم مجرما ليس لأن العموم ملتزم بالدين كما يجب بل لأن العموم متطرف عقائديا والتطرف العقائدي بالمناسبه لا يعني بالضروره الإلتزام الديني. الملتزم دينيا بالمجتمع المدني العلماني هو مجبر أن يكون متقبلا لحريات الآخرين بالإعتقاد وهذا موجود بأغلب دول العالم وبكل الديانات ولم يعرقل انتشار دين معين أو يقلل من قدره كما ترى شعوبنا التي تجبرنا اجتماعيا ؛ ثقافيا بل وحتى قانونيا على إعتناق والإلتزام بالإسلام وعدم تركه. الإلتزام الديني من عدمه هو حريه شخصيه لذلك خطأ اتهام كل ملتزم دينيا بالأصوليه وأكبر دليل على ذلك هم أفراد مجتمعاتنا الذين رغم جهل معظمهم بالدين من كل النواحي سواء الفقهيه أو العقائديه او التاريخيه وغيرها وعدم التزامهم الصريح بالتعاليم الدينيه كما هو مطلوب ومفترض بسبب سعيهم وراء مباهج وماديات الحداثه المتطوره ؛ إلا ان ذلك لا ينفي أنهم مشتبعون بقيم التطرف العقائدي الإقصائي فالإعلام ؛ التعليم والمجتمع هم من غرس بذرة الشر هذه فيهم. مشكلتنا ليست بالتطرف العقائدي فقط بل التطرف للمعايير الشرقيه التي تربط الأخلاق بالإلتزام الديني للفرد وهذه كارثه وليست فقط مغالطه فالأخلاق هي مفهوم انساني عالمي لا يعرف دينا أو مذهبا. نحن للأسف بتعريفنا الضيق للأخلاق وحبسها بإطار الإلتزام الديني والتمسك بالمواريث الإجتماعيه قد أفقدناها معناها الإنساني الحقيقي و قيمها البناءه الى أن وصلنا الى حالتنا المزريه اليوم وبتنا شعوبا رجعيه لا تحترم القانون تزدرئ وتستصغر قيمة هذه الحياة لأنها تراها زائله لا تستحق العناء.
ختاما ...
تحقيق حلم الحزب المدني أو التنويري سواء كان هنا بالكويت أو بأي قطر عربي لن يتحقق إلا بالترفع عن الخلافات بقضايا السياسه والمجتمع والتركيز الجاد على الخطوط المدنيه الحداثيه العريضه التي يجب ان تكون هي القضيه الأولى والاخيره فهي ملاذنا الذي يوحدنا ويلغي كل مشاعر الخصومه والفرقه التي قد تسببها تلك الإختلافات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق