03/11/2009
في الأخلاق و الحريه
هناك لغط دائم خصوصا لدى عوام الشارع العربي بمفاهيم الحريه والاخلاق. فهؤلاء مشكلتهم حصر الأخلاق بالدين الإسلامي وكأن الإسلام هو أصل الأخلاق او أصل الفطره السليمه وهذا كلام اقل ما يقال عنه أنه هراء فلو كان عالمنا بلا أخلاق كما يدعون لأصبحت بقية المليارات الغير مسلمه من البشر كلها بلا استثناء بلا أخلاق. عندما تحدث نقاشات بخصوص الحريه والأخلاق كثيرا ما يدعي المسلمون أن الحريه ابتذال لا تحترم الاخلاق متصورين أن الحريه مفهوم فوضوي دخيل على المجتمعات يجب أن تقيد. لذلك كثيرا ما نسمع منهم ردودا على شاكلة (ان كنتم تؤمنون بالحريه اذن لا مانع لديكم من الخيانه الزوجيه) و (ان كنتم تؤمنون بالحريه اذن لماذا تلتزمون بالقانون) و (ان كنتم تؤمنون بالحريه اذن لماذا تغضبون عندما نشتمكم ونسيء الى شخصوكم ان اختلفتم معنا بالرأي أو المعتقد او التوجه السياسي).
وبمناسبة الإختلاف بالرأي لدينا بمجتمعاتنا عاده ذميمه عندما نختلف بالرأي فإختلافنا يتحول الى شخصنه والبعض جهله يجعله يتصور ان الشخصنه هي حرية رأي والبعض الآخر انغلاقه يصور له أن الإساءه لما يقدسه تعتبر اساءه شخصيه له.
الأخلاق ليست نقيض الحريه وليست حدا من حدودها كما يتصور البعض فالحريه والمطالبه بها جزء لا يتجزأ من الاخلاق وكلاهما هدفه واحد. عندما كتب نبيل العوضي مقالته أخلاق الاوربي بإمتياز هو لم يسيء الى الغرب بل أساء الى المسلمين فمقال كهذا يصور أن المسلم الذي يؤمن أن النفس البشريه اماره بالسوء لا يحد هذا السوء إلا الخوف من القانون او الدين هو الذي ينتظر لحظة الفوضى والعشوائيه كي يمارس المحرم والممنوع بلا قيود. تماما مثلما يقولون لي انت لا تريد الأسلمه اذن لا مانع لديك بالدياثه او زنا المحارم وغيرها من الطروحات الوضيعه التي يتحفنا فيها الإسلاميين ومن على شاكلتهم يكفيني ان ارد على هؤلاء قائلا وهل السبب أنكم لا تمانعون بذلك فقط لأنكم مسلمين مصرين أن الأخلاق والقيم لا مصدر لها سوى الدين والإسلام بشكل خاص؟.
انا لا أؤمن أن النفس مفطوره على الشر ووحده الإسلام القادر على الوقوف بوجه هذا الشر فلو كانت كذلك لغزانا العالم المتحضر الذي لا يؤمن بالإسلام ومسحنا من على وجه الأرض. ولو كانت كذلك لما حصلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولو كانت كذلك لما تحول الإسلام من دين الى أديولوجيه عنصريه شرسه تستخدم لإرهاب البشر وقمعهم فكريا وسلوكيا فارضة عليهم وصايه هم ليسوا بالضروره مقتنعين او حتى مؤمنين بها.
مشكلة هذه المجتمعات الأساسيه ان افرادها مشغولون بالعديد من الامور والقضايا المعقده وهم غير مؤهليين لتولي هذه القضايا أساسا. أن إصلاح الناس فكريا ونشر قيم الإنسانيه والتسامح فيهم هو مفتاح التحضر وإهمال ذلك هو الذي اخرنا اليوم وسيؤخرنا غدا. مستحيل ان يصطلح حال شعب اناني عنصري خالي من القيم والأخلاق اللإنسانيه إلا ان واجه نفسه واصلحها اولا. لا الديموقراطيه ولا الحريه السياسيه ستحقق ذلك،وحدها المبادئ والقيم الحضاريه هي القادره على تحمل هذا العبئ.
لا يوجد بلد بالعالم خالي من التحديات والمشاكل ولا يوجد شعب مثالي 100% لكن هناك شعوب افضل من شعوبنا لأنها اختارت بكل طواعيه الخيار الإنساني الذي منحها التحضر والمقدره على مواجهة المتغيرات المعقده بينما نحن كنا ولازلنا غارقين بالمستنقع الأصولي الذي لا هم لديه سوى العوده الى الأصول.
هل تظنون ان شعبا يغرسون فيه فكرة موته وزواله كل أسبوع بخطبة الجمعه سيعبئ بهذه الحياة أو يهتم باللإصلاح والعداله؟ ان كان هدفهم حسن الخاتمه فليبقوا بالمساجد حتى تأتي حسن خاتمتهم فالحياة اعمق بكثير من تصورهم الساذج لها. من اكتشف الفضاء وقيعان المحيطات ويسعى لإستمرارية الحياة على هذا الكوكب لم يكن سيصل الى ما وصل اليه لوما قيمه واخلاقياته النبيله التي لا مجال لمقارنتها بأفكارهم الرجعيه التي تعزف على وتر الموت والآخره. هل الدين متعارض مع الحداثه؟ بدون العلمانيه ومع السيطره الأصوليه على قلوب الناس وعقولهم الجواب، نعم. وإلا لما تخلفت أوربا بعهد الظلمات ولما تخلفنا نحن اليوم. هل الدين متعارض مع الاخلاق؟ أيضا نعم فالدين الذي يؤمن بإزدراء الكرامه الإنسانيه تحت ذريعة تطبيق حدود شرعيه بربريه هو دين بلا انسانيه وانعدام الإنسانيه تعني تلقائيا انعدام الأخلاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق