شبكة راصد الإخبارية
عبقرية القمع الجديدة
مهند حبيب السماوي
28/03/2011
تتفجر عبقرية الانسان في كل المجالات بما فيها مجالات الشر المتعددة!.
وكلما تقدم الزمن بنا كلما ازدادت التجارب والخبرات المتراكمة في كل المجالات والناتجة بلا شك من عبقرية الانسان المولدة لها!... ومن ضمن تلك المجالات السلبية والتي لا توصل الحضارة الانسانية سوى الى الحضيض والدمار ... هي حيز القمع!.
القمع: هو الاسلوب الذي تقوم به جهة متسلطة على الجموع المحكومة من قبلها في سبيل رغبة الاستمرارية في التحكم!.
بالطبع وسائل القمع متعددة ولا حدود لها!... لان عبقرية الانسان الشريرة تبدع فيها الى درجة يصبح الشيطان تلميذا صغيرا لديه،يتعلم منه اساليب وطرق مرعبة وفي غاية من الوحشية الدالة على حياة بهيمية فاقدة لكل مواصفات الانسان المتحضر!.
لو قارنا بين وسائل القمع قبل حقب زمنية ماضية مع الوسائل المستخدمة الان،لوجدنا الفارق كبيرا بينهما!... بل ان القمع اصبحت له علوم واداب تدرس في جامعات ومعاهد تخرج اعداد كبيرة من الارهابيين الشقاة ومتزينين بلباس وطني زائف مع شرعية قانونية تلبس احيانا بلباس ديني او مذهبي او قومي او آيديولوجي او بدون ايا منها!.
القمع البدائي!:
احيانا ومن الغباء الذي يتصف اهل الارهاب والقمع به هو انهم يستخدمون اساليب بدائية بالية تدل على تخبطهم في فترة القلق والشك «كالثورات المفاجئة!» وفقدان التوازن المنطقي بحيث تنعدم من خلاله وسائل التفكير المنهجية الهادئة! وقد يكون ذلك جزءا من العدالة السماوية والارضية في كشف وتعرية اهل التسلط والقمع وبالتالي يتم رميهم في مزابل التاريخ التي تمتلأ عادة بتلك الوجوه القبيحة!.
من ابرز تلك الوسائل البدائية والتي اثارت اهتمام الرأي العام العالمي وتناقلت صوره الوحشية المرعبة في مختلف وسائل الاعلام... هو استخدام البلطجية في قمع الثورات العربية المعاصرة بطريقة هي اقرب للغباء منها للتصرف العقلاني.
البلطجية الذين يتم استخدامهم اما يكونوا جزءا من المؤسسة الامنية للسلطة العربية الحاكمة لان المؤسسات الامنية هي في اغلبها مكونة من تراكيب مسلحة مؤلفة من شخوص اجرامية ضعيفة المستوى الثقافي ومعدومة الاستقلالية وليس هنالك رادع قانوني وديني واخلاقي ممكن ان يحد من تصرفاتها الارهابية الاجرامية بالاضافة الى عدم وجود ثقافة حقوق الانسان واحترام خصوصياته التي هي جزء من قدسية الوطن ككل!... فهذا الشيء بعيد عن الفهم لديهم! لان الثقافة والتربية والمحيط والتي بنيت تلك الاجهزة من اساسها،جعلت الولاء الاول والاخير هي للحاكم ومن ثم اسرته وحاشيته ومزجت بينها وبين الوطن الى درجة جعلت ذوبان الوطن ضمن الفرد الحاكم ونظامه امرا متفقا عليه الى درجة العبودية المذلة هذا بالاضافة الى ان حماية تلك الثقافة والتربية المستمرة تخضع لقوانين الضبط العسكرية والامنية المحكمة والتي تحول الانسان الى دمية تنفذ الاوامر مهما كانت درجة الوحشية ومستوى الفساد والانحطاط عالية!.
القسم الاخر من البلطجية هم اساسا شقاة الشوارع العاطلين عن العمل وهم على استعداد لفعل اي شيء يطلب منهم مقابل المال والعمل المستمر!... اي انهم مرتزقة محلية رخيصة الثمن وتتواجد بكثرة في المجتمعات المنغلقة او المحكومة بنظم شمولية ولا تردعها اية قوة مادامت السلطة الغاشمة المتسلحة برداء القانون والوطنية الزائف هي الممولة والمستخدمة تحت اغراض مختلفة!.
الصنفين لا يؤتمن بهما من الجانبين (الشعب او السلطة) لانهم يتبعون المال والقوة والنفوذ وبالتالي فأن الاخلاص شبه معدوم لديهم ولذلك فأن اقوى الاجهزة الامنية العربية المرعبة قد انهارت بلحظات في فرصة تاريخية نادرة مثل سقوط بغداد عام 2003 او يوم سقوط نظام بن علي في تونس او في جمعة الغضب بعد اندلاع الثورة المصرية بثلاثة ايام فقط!! بينما بنيت خلال عقود طويلة!.
اسباب عدم الثبات عديدة،ومنها فقدان التربية الدينية والوطنية والاخلاقية الصادقة مع فقدان ثقافة احترام حق الانسان والشعب في العيش بحرية وكرامة مع انعدام الثقافة الرادعة للفساد وارتكاب الجرائم،جعلها تعيش بجبن واضح وخوف مستمر من الانتقام العادل والذي تحين ساعته غالبا بطريقة مفاجئة للجميع!... ومن هنا كان الخوف والرعب سائدا في النفوس المحكومة من طرف مشلول تفكيره بالخوف والرعب ايضا! فالانسان الوضيع والخائف لا يعرف حدودا لانتقامه او ردة فعله لكون فاقد لاساليب التفكير المنطقية الهادئة التي تعينه في الوصول الى اقصر الطرق في تحقيق الاهداف بدون خسائر!.
نظم بلطجية!.
لم نرى استخدام نظام بن علي التونسي للبلطجية لانه انهار بسرعة ولم تكن الغالبية الساحقة تتوقع ذلك اصلا!... بينما كان نظام حسني مبارك البائد على دراية بسقوط زميله التونسي،ولم تكن في جعبته وسائل جديدة اخرى،فأستخدم هذا الاسلوب البدائي بشكل واسع ضد الثائرين «استخدمه مرارا من قبل حزبه ضد خصومه!» والدال على ان النظام برمته هو ضحل ومكون من بلطجية ولكن بأشكال والقاب مختلفة! دون ان يراعي ان ذلك هو تحت مراقبة مختلف وسائل الاعلام والتي عادة تهيج الشعوب بدلا من ترويعها مما يعني ان تلك الوسيلة البدائية التي يراد منها اخافة المحتجين،هي سوف تكون وسيلة لتحريك الفئات المترددة في المشاركة فضلا عن تحريك الرأي العالمي لصالح الثائرين!.
من هنا نرى ان ذلك الاسلوب لم يتحقق منه سوى الاسراع في انهيار النظام بسرعة تفوق التوقعات!... ولكن بالرغم من تلك النتيجة فأن زملاء النظام المصري البائد قد استعاروه بطريقة تثبت انها نظم بلطجة لا تتورع من غبائها في استخدام اكثر الوسائل بدائية رغبة منها في الاحتفاظ بالسلطة الزمنية!...
نظام القذافي لم يستخدمه! ليس لانه ذكيا!... كلا،بل لانه حول كل اجهزته العسكرية والامنية والمرتزقة الى بلطجية محترفين! وبالتالي صعب التفريق بينهم وبين الشكل المتعارف للبلطجية!.
اما نظام ال خليفة المتخلف في البحرين فقد استخدمه وبشكل واسع مستعينا بوسائل التفرقة الطائفية من خلال تحشيد العناصر البلطجية التي تنتسب لاجهزته الامنية والبسها للتمويه لباسا مدنيا مع بلطجية الشارع المحسوبين عليه مذهبيا! في ضرب المتظاهرين لاجل الحرية،والنتيجة التي استفاد منها لاحقا في استدعاء مرتزقة من الجيوش المجاورة هي لان العالم لم يواجهه بالتنديد الضروري او بردع عسكري مناسب لكون الماكنة الاعلامية والشعوب العربية مشلولة لان الثائرين لا ينتسبون مذهبيا اليها! كما ان صغر حجم البلاد ووقعها ضمن منظومة حليفة وحساسة للغرب جعل هذا الشعب الجريح يدفع الثمن غاليا كشعوب اخرى عديدة ساء حظها العاثر ان تكون مقيدة وتنعدم وسائل نصرتها!.
اما النظام اليمني فلم يتأخر عن استخدام هذا الاسلوب المثالي الذي يتناسب وطبيعة تركيبة النظام في قمع الثائرين المطالبين بالحرية!... ولوقاحة رأس النظام وزبانيته اللامحدودة،فقد اتهموا جهات مدنية مجهولة بتدبير الهجمات والمجازر ومنها فئات تعطلت اعمالها نتيجة لقيام الثورة اليمنية مستغلة الجهل والتخلف لدى المغرر بهم!.
لن يتم استبعاد اي ثورة في العالم العربي مستقبلا من التعرض لهجمات البلطجية الذي اصبح من سمات الثورات العربية الحديثة!... فقد كانت الثورات التي حدثت في اماكن اخرى من العالم متميزة بمشتركات متعددة منها ان الاجهزة العسكرية او الامنية كافية لقمع الثورات وبوسائلها المعروفة،ولكن ان يتم استخدام هذا الاسلوب الوضيع بوقاحة وبهذا الشكل من الواسع،فهو امرا غريبا حقا! يضاف الى الامور التي ابتلي هذا الجزء البائس من العالم بها وجعلت مسيرته الحضارية تتعثر لقرون عديدة.
لن تموت ارادة الشعوب بهذا الاسلوب الرخيص والنذل... بل تقوى وتتأسد!...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق