فتوحات أم غزوات
22 أكتوبر 2010
سرحان الركابي: صار بحكم الحقائق المسلم بها من قبل كل الدارسين الباحثين المتنورين للتاريخ الاسلامي ان ما اطلق عليه بالفتوحات الاسلامية,لم يعد يتناسب وهذا الوصف التجميلي سواء من حيث النتائج التي افضت اليها تلك الفتوحات او من حيث اساليب التعامل والطرق والوسائل التي تعامل بها الفاتحون مع سكان البلدان المفتوحة.
وبشيوع الدراسات الموضوعية الحديثة التي اعتمدت على المناهج العلمية الرصينة,لم يعد مقبولا اطلاق صفة الفتوحات لوصف حركة التوسع الهائلة التي حدثت بعد وفاة النبي مباشرة في السنة الحادية عشرة بعد الهجرة والتي غيرت خارطة منطقة الشرق الاوسط برمتها فانقرضت ديانات وشعوب وثقافات واحرقت مكتبات وهدمت معابد وكنائس واديرة وتلاشت هويات وثقافات وذابت ولم يعد لها وجود.
ولكي يستقيم المعنى ويتطابق الوصف مع حركة التوسعات السريعة والمفاجئة تلك لابد من التعامل مع هذه الانعطافة التاريخية الكبيرة بموضوعية وحياد من خلال قراءة التوسعات الاسلامية المفاجئة اخذين بنظر الاعتبار الظروف السياسية والعسكرية والاقتصادية للدولة الاسلامية الناشئة حيث توسعت تلك الدولة كما هي سنة التاريخ على حساب جيرانها الذين كانوا يعانون من الشيخوخة واثار الحروب الطاحنة التي خاضوها ... ولم تكن المعارك التي خاضها المسلمون معارك نورانية تشارك فيها الملائكة لنصرة المؤمنين على الكافرين،بل كانت معارك عسكرية صرفة.
استعمل فيها الطرفان كل ما بوسعه من وسائل القوة والدهاء العسكري والبطش والتنكيل بالعدو،وقد تكون الميزة الاهم في الجيوش الاسلامية عما سواها من جيوش هي ان رغبة الاستيلاء والحصول على الغنائم كانت على اشدها عند المسلمين وهذا لا يعني ان الرغبة في الحصول على الغنائم عند الاطراف الاخرى كانت معدومة لكنها عند المسلمين كانت تشكل الحافز الاكبر للجنود للمخاطرة بحياتهم واقتحام الصعاب للحصول على اكبر قدر ممكن من الغنائم والسبايا لكونهم كانوا خارجين توا من الصحراء التي تعيش دائما على حافة المجاعة بحسب تعبير الدكتور علي الوردي.
بالاضافة الى ميزة اخرى كان يتميز بها المقاتلين المسلمين وهي انهم كانوا على الاغلب من القبائل البدوية التي تتصف بالغلظة والقسوة وروح البداوة وبذا فهم كانوا معتادين على حياة الغزو والنهب والسلب فيما بينهم قبل الاسلام وبعده. وجاءت التوسعات الاسلامية لتلبي رغبتهم وتنسجم مع فطرتهم التي فطروا عليها وبالتالي لم تعاني الدولة الناشئة من مشكلة توفر الجند المتمرسين في القتال او توفر الروح القتالية والاستعداد لخوض المعارك لدى الجنود وكان لهذه العوامل الدور الحاسم في امتداد رقعة الدولة الاسلامية وتوسعها بشكل يفوق الوصف.
حتى استطاعت هذه الدولة الوليدة القادمة من رحم الصحراء ان تبتلع المناطق الحضرية المحيطة بها وتستولي على اراضيها وممتلكاتها،وقد تعامل العرب مع سكان المناطق التي احتلوها معاملة قاسية وسيئة تتصف بالجور والتعسف،وفي هذا الصدد يذكر البلاذري انه في عهد عمر بن الخطاب تم تقسيم ارض السواد (العراق) بين المقاتلين المسلمين فوجد ان كل مقاتل عربي سيكون مسؤلا عن اراضي ثلاثة فلاحين عراقيين.
ما يعني ان الفاتحين المنقذين الذين تصفهم الكتابات التبجيلة بانهم جاؤا لنشر العدل والمساوات بين الناس قد استولوا على اراضي السكان المحليين واستعبدوهم بدل ان يحرروهم وبالتالي فان الادعاء بوجود حافز ديني وراء تلك التوسعات هو ادعاء لا صحة له،لان طريقة لاستيلاء على الاراضي والغانئم والسبايا تظهر بوضوح الدافع الحقيقي لتلك الغزوات وتفصح عن سر تفوق المسلمين على خصومهم،ومن الغريب ان الصحابة الاوائل والخلفاء وقادة الجيوش كانوا اكثر صدقا من المتاخرين الذين يحاولون كتم الحقيقة وصناعة تاريخ نوراني لا وجود له الا في مخيلاتهم فهذه وثائق التاريخ تصرخ بالحقيقة دون لف او دوران وتنطق بما لا يمكن دحظه او تكذيبه والا فماذا يمكن ان نستنتج من الكتاب التالي الذي ارسله الخليفة عمر بن الخطاب الى عمر بن العاص عندما اسنبطأه في ارسال خراج مصر (يقول عمر بن الخطاب ... [اما بعد فاني عجبت من كثرة كتبي اليك في ابطاءك الخراج ولم اقدمك الى مصر لاجعلها لك طعمة ولا لقومك ولكني وجهتك لما رجوت من توفيرك الخراج ومن حسن سياستك. فاذا اتاك كتابي هذا فاحمل الخراج فانما هو فيء المسلمين وعندي من تعلم قوم محصورون والسلام])
هل في هذا اي سؤال عن احوال الناس او مدى تقبلهم ودخولهم الدين الجديد؟.
وهل فيه سؤال عن العدالة والمساواة بين الناس؟.
وهل يستطيع احد ان يدعي ان كتاب عمر بن الخطاب هذا كان من اجل التعاليم الدينية ونشر رسالة الاسلام السامية بين الناس وتخليصهم من البدع والضلالة؟.
ابدا الكتاب واضح ويفصح بشكل جلي ان الغاية من غزو مصر الاستحواذ على ثرواتها،ولم يكن المسلمون في ذلك الوقت يخجلون من هذا الامر او يتسترون بشعارات كاذبة كما يفعل احفادهم اليوم،ففي مقابلة جرت بين عمر بن العاص واحد الزعماء المصريين حيث كان قد تصالح مع عمر بن العاص على ان يؤدي الجزية صاغرا.
اذ يقول الرجل: اخبرنا ما على احدنا من الجزية فنصير لها؟. فقال عمر بن العاص وهو ينظر الى كنيسة كانت بالقرب منه: لو اعطيتني من الارض الى السقف ما اخبرتك ما عليك،انما انتم خزانة لنا،ان كثر علينا كثرنا عليكم وان خف خففنا. وهكذا يثبت عمر بن العاص انه اصدق واكثر صراحة من احفاده اليوم فهو يعلن بكل صراحة ان مصر هي خزانة للجزيرة العربية القاحلة. وهي فعلا كانت تشكل مع العراق والشام خزانة هائلة للدولة الاسلامية الفتية ومنها انطلقت الغزوات ووصلت الى حدود الصين شرقا والى المحيط الاطلسي غربا،فهل كان هذا الزحف والتوسع الذي يفوق الوصف،مجرد فتوحات لنشر العدل والخير والمحبة بين الناس؟؟؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق