البحرين مرة أخرى
15/04/2011
عبد الله حسن العبد الباقي
شبكة راصد الإخبارية: سبق لي الحديث حول الوضع البحريني في مقالة سابقة (الحراك البحريني والفخ الطائفي) تحدثت فيها بشيء من التفصيل عن هذا الحراك وطبيعته الحقوقية والمطلبية المشروعة والتي اقرها حتى ولي العهد البحريني الشيخ/ سلمان،عند مبادرته حول الحوار مع المعارضة. لقد أوضحت من وجهة نظري الأسباب والعوامل التي أدت بذاك الحراك للوقوع في الفخ الطائفي والتي لا داعي لتكرارها الآن.
إلا أن التأجيج والاحتقان الطائفي تحول إلى مطب حقيقي تواجهه شعوب المنطقة على ضفتي الخليج بحيث أصبح القيء الطائفي هو السمة السائدة التي عكست آثارها في كل مناحي ومجالات الإعلام المقروء منه والمسموع والمرئي ودخلت المساجد وخطب الجمعة على خط الاحتراب وتحول هاجس الناس في بلدان الخليج الى الهاجس الطائفي وغدا معيارا (للوطنية) بمفهومها الضيق والملتبس ليس فقط عند قوى الإسلام السياسي والتي تنتشي وفي هذه الأجواء المتفقة تماما مع طبيعتها الالغائية والاقصائية بل طالت ولشديد الأسف حتى من يدعون (اللبرالية) والانفتاح والتسامح الذي تحول بقدرة قادر إلى عفن يزكم الأنوف ويمارس تفتيت الأوطان وشق وحدتها.
وإذا كان هذا ينطبق على كل دول الخليج بضفتيه حاليا فانه في البحرين يتحول بفعل الممارسات اليومية اللا إنسانية إلى خنادق وسدود من الكراهية أشبه ما تكون بالفصل العنصري الذي لفظه العالم. ورغم أن مرض الطائفية يستدعى لتبرير تلك الأفعال المشينة إلا أن ما يجري على الأرض هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان كانسان قبل كل شيء،قبل أن يكون منتم لهذه الطائفة أو تلك،هذا الدين أو ذاك أو كونه عربي أو أعجمي أيا كان انتماءه الأثني.
ماذا نسمي اقتحام المنازل بعشرات من رجال الجيش والشرطة وبالأسلحة الرشاشة وهم ملثمون بحجة القبض على شخص يراد اعتقاله وترويع النساء والأطفال وشتمهم والتحرش بهم؟. ماذا نسمي ضرب الناس حتى الموت ورميهم في البيوت المهجورة؟. ماذا نسمي والى ماذا يهدف طرد العمال والموظفين وتسريحهم من أعمالهم فقط لكونهم ينتمون لطائفة مغضوب عليها؟.
(تم طرد 270 عاملا وموظفا من شركة ألبا للألمنيوم و212 شخصا من طيران الخليج منهم 7 طيارين و35 مضيف جوي و170 مضيف ارضي وكذا بقية الشركات بحيث وصل العدد حتى الآن إلى 750 شخصا)؟. ماذا يعني ويسمى اقتحام المستشفيات والمراكز الصحية؟؟ «بالإضافة إلى مستشفى السليمانية الذي تحول إلى ثكنة عسكرية تم اقتحام مركز كانو لأمراض فقر الدم ومركز النعيم الصحي ومستشفى الدير». ماذا نسمي تهديم 3 مساجد في مدينة حمد وكذلك بعض الحسينيات وهي موجودة منذ زمن تحت حجة انه غير مرخصة؟. ما هو الفرق بين هذا الفعل وما تفعله إسرائيل تجاه الفلسطينيين؟. ماذا نسمي مداهمة المدارس والجامعات واعتقال الكوادر التعليمية والطلاب فقط لأنهم من الطائفة الشيعية؟. ماذا يعني اعتقال أطباء وممرضين فقط لأنهم عالجوا شيعيا أو لأنهم شيعه؟. «تم اعتقال10 أطباء وممرضين وأوقف وطرد من العمل آخرين».
ماذا يعني وجود أكثر من 100 مفقود ولا احد يعرف ان كانوا أحياء أو ميتين،مسجونين أم مقتولين ولا من مجيب على السؤال؟.
ماذا يعني معاقبة طلاب يدرسون في الخارج لم يكونوا حتى جزء من ذلك الحراك وهم بالمئات وحرمانهم من إكمال دراستهم وتوقيف بعثاتهم فقط لكونهم شيعة؟. ماذا يعني اعتقال كل من يقول شيئا حول هذا الوضع بما فيهم نشطاء حقوق الإنسان المعترف بهم داخليا ودوليا (عبد الهادي خواجة) مثالا وزوجي ابنتيه فقط لأنهم ذوي علاقة به؟. ماذا تعني ممارسة التعذيب الممنهج الجسدي والمعنوي والنفسي والجنسي بما فيه اعتقال وتعذيب النساء والأطفال؟. ماذا يعني فصل وطرد دكاترة جامعات (18 دكتورا) فقط لكونهم شيعة؟. ماذا؟ وماذا؟ وماذا؟!!!.
إنها سلسلة طويلة من الانتهاكات التي لن تفعل شيئا في النهاية سوا حفر وتعميق خنادق الكراهية وانفصام الوطن.
السؤال هو: هل هذا في مصلحة البحرين حكومة وشعبا؟ وهل هو في مصلحة الخليج الذي يتطلع ابناؤه إلى وحدتهم؟.
وهل هذه الممارسات لها علاقة بإيران (سواء كانت مجوسية حسب تعبير السلفيين مع أنها إحدى الدول الإسلامية أو كانت صفوية أو نظام ولاية فقيه)؟ وما علاقة شعب البحرين بكل ذلك؟؟؟.
ان هذه الممارسات العنصرية والفاشية لن تنفع بالتأكيد لا حكام ولا شعب البحرين ولا دول الخليج فالشيعة موجودين فيها قبل ان تصبح إيران ذاتها دولة شيعية وهم اصلاء في هذه المنطقة ولو اجتمعت كل قوى الأرض لن تستطيع اقتلاعهم منها رضي من رضي وغضب من غضب.
أما كونهم (عملاء) لإيران بهذا التعميم السمج،فهذه نكتة سخيفة لا يصدقها إلا من يعيشون في الظلام والبؤس الفكري والحقوقي والإنساني،وكون إيران دولة طائفية لها مطامعها ومطامحها وتستخدم (المذهبية) لتحقيق أغراضها السياسية لا يبرر استخدام ذات المنهج في الضفة الأخرى.
المشكلة موجودة في هذه الأوطان،في الخليج العربي. مشكلة التمييز الطائفي والإجحاف بالحقوق مسألة لشديد الأسف متأصلة في تكوين وبنية دول الخليج ولا حل إلا من خلال دولة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات،حينها فقط لا تستطيع إيران ولا غيرها بما فيها دول الخليج اللعب على وتر الطائفية البغيضة.
لكن ما يجول في البحرين هو عكس ذلك تماما والمطب الذي كان ربما يراد لإيران ودول الخليج الوقوع فيه عبر تدخل مباشر وعسكري في البحرين وقعت فيه دول الخليج ذاتها عبر (درع الجزيرة) وأصبح الانتصار على الشعب البحريني الأعزل انتصار موهوم على إيران.
وبدأت انتهاكات حقوق الإنسان في أفظع حالاتها تحت مسمى (محاربة إيران) مما أدى الى شق المجتمع البحريني والخليجي بأكمله وسواء كانت هذه النتيجة بحسن أو سوء نية فهي تساهم في عملية تفتيت الوطن العربي وضرب وحدته من داخله.
يجدر بنا الإشارة هنا إلى مقال هارتس الإسرائيلية 25/3/2011 ميلادي [دول عربية جديدة ستظهر بعد انقشاع غيوم الثورات] تقول فيه: [الآن بعد نحو مئة سنة من محادثات سايكس بيكو ... هناك دول مصطنعة مثل ليبيا التي تشكلت من ثلاث مستعمرات سابقة لايطاليا وكذا اليمن،سوريا،الأردن،البحرين والسعودية كفيلة بان تتفكك. فيها جميعا توتر داخلي شديد بين القبائل والجماعات أو سلطة أقلية فرضت على الأغلبية] ... إلى ان تقول: [الغرب،مثل! إسرائيل تفضل شرق أوسط منقسما ومتنازعا ومتصارعا في عدة جبهات ضد القومية العربية والأمة الإسلامية ... وعليه فيمكن التقدير بأن القوى العظمى لن تحاول إحباط عملية الانشقاق لدول المنطقة بل ستساهم فيها].
وها هو الغرب يتعامل مع ليبيا بكل هدوء ويحاول إطالة أمد الحرب مع قدرته على حسمها من اجل محاولة تقسيم ليبيا ان استطاع خداع الشعب الليبي،فهل تساهم الدول الخليجية في عملية التقسيم هذه عبر خلق الحجب والسدود والجبال الطائفية لتقسيم أوطاننا وكل ذلك يجري باسم وتحت مسمى نصرة (الطائفة الطاهرة والنقية) في مواجهة (الطائفة الملعونة).
ان من ينتهك حقوق الإنسان لمواطنيه يفتت وطنه بلا أدنى شك ويحقق لأعداء أمتنا ما يأملون.
لقد ان أوان التوقف عن هذه الجرائم التي وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها جرائم ضد الإنسانية ويمكن أن تصل في المحاكم الدولية إلى أوصاف أخرى تستدعي المحاكمة القانونية الدولية لمرتكبيها.
لقد ان أوان الحوار الحقيقي والجاد بين ولي عهد البحرين والمعارضة على أساس حل الإشكالات وإحقاق الحقوق التي على رأسها مملكة دستورية وحكومة تراقب وتحاسب وقبل كل ذلك التوقف عن الأسلوب الذي عفى عليه الزمن المتمثل بالأسلوب الأمني المقيت ويغير ذلك فالعواقب بالتأكيد لصالح أعداء أمتنا ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق