ثورة الشعوب العربية
ثلاثة مقالات تم منع نشرها بجريدة القبس للكاتب صلاح الفضلي
27 مارس 2011
انصفوا الشعب البحريني
منذ أن أعلنت المعارضة البحرينية قبل عشرة أيام من أنها سوف تقوم باعتصام يبدأ من يوم الرابع عشر من فبراير وأنا أتوجس خيفة من أن يتم تصوير مطالب الشعب البحريني الوطنية التي تنادي بالإصلاح السياسي وتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد أن يتم تصويرها على أنها مطالب طائفية. وبالفعل حصل ما تخوفت منه،فبعد هجوم الجيش البحريني على المعتصمين في دوار اللؤلؤة في المنامة ونزول الدبابات والمدرعات إلى الشوارع تصاعدت نغمة أن التحرك الشعبي في البحرين تحرك طائفي بإيعاز من الخارج ويًقصد به إيران بالتأكيد،وهذا أمر نفاه وزير الخارجية البحريني نفسه عندما ذكر في المؤتمر الصحفي (أننا لا نشك في ولاء البحرينين دولة،فولائهم للبحرين)،فلا ينبغي أن يصبح البعض ملكيين أكثر من الملك. اتهام التحرك الشعبي في البحرين بأنه يعبر عن قلة قليلة وأن لديه أجندة خارجية وأن المعتصمين لديهم أسلحة اتهامات تكررت في التجربتين التونسية والمصرية وتبين زيفها،ولكن الاتهام المختلف في التجربة البحرينية هو اتهام التحرك الشعبي بالطائفية،وهو اتهام يراد به إثارة الحساسية بين الشيعة والسنة حتى تتعقد الأمور رغبة في تحويل الحركة الشعبية إلى فتنة طائفية.
ليس خافياً على أحد أن الغالبية العظمى من المعتصمين في البحرين هم من المواطنين الشيعة،وهو أمر متوقع لكون الشيعة يمثلون أغلبية في البحرين وأيضاً لأنهم الفئة الأكثر حرماناً ومعاناة،وفي كل الأحوال هؤلاء مواطنون بحرينيون من حقهم أن يطالبوا بما يعتقدونه حقوقاً لهم. لذا فإن ما كان يحق للشعبين المصري والتونسي يجب أن يكون حقاً للشعب البحريني أيضاً،لأن القاعدة تقول أن (حكم الأشياء فيما يجوز أو لا يجوز واحد). علينا أن نتحلى بالإنصاف ونتجرد من العصبية والطائفية لنرى أن مطالب المواطن البحريني لا تختلف عن مطالب المواطن المصري أو التونسي،وأن إدانة استخدام العنف مع المعتصمين والتعاطف مع الأبرياء الذين سقطوا شهداء وجرحى في تونس ومصر يجب أن ينسحب على الضحايا الأبرياء الذين سقطوا في دوار اللؤلؤة بالبحرين،وأن نتمثل قوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى).
الفزعة الخليجية المتمثلة في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية وتأكيد التضامن مع السلطة لن يجدي نفعاً وقد ظهر ذلك جلياً في الحالة المصرية والتونسية،فالشعوب إذا أرادت شيئاً لن يقف في وجهها أحد. ولذا فإن المطلوب الاستفادة من التجربة المصرية والتونسية وأخذ العبر والدروس وعدم تكرار الأخطاء نفسها. الحكمة تقتضي الاستجابة سريعاً لمطالب الشعب،ولنا في تونس ومصر خير عبرة وعظة،فالسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه.
ملح على الجرح
بدلاً من أن يباركوا القرار الحكيم لصاحب السمو بعدم إرسال قوات كويتية إلى البحرين حتى لا تتعقد الأمور أكثر مما هي عليه راح بعض النواب يهددون باستجواب رئيس الوزراء بدعوى عدم إرسال قوات كويتية للبحرين كما فعلت بعض الدول الخليجية. كأنه لابد لهؤلاء النواب أن يكون لهم في كل عرس قرص،وكأنه لابد لهم أن يكون لهم (أجر) من (ثواب) صب الملح على جرح الطائفية الملتهب. أنا على يقين أن دعوات التعقل والحذر من النفخ تحت رماد نار الفتنة لن تجدي معهم نفعاً،لأن ما ظهر من تصريحاتهم عينة بسيطة من قناعاتهم المخيفة،وما تخفي صدورهم أعظم.
تاريخ المجتمعات الإسلامية مليئ بالحروب الطائفية التي تندلع في البداية لسبب بسيط،ثم ما تلبث أن تتحول إلى مجاز يذهب ضحيتها مئات الآلاف من البشر. يكفي للتدليل على ذلك ما ذكره المؤرخ العراقي باقر ياسين في كتابه (تاريخ العنف الدموي في العراق) من أن العاصمة بغداد استبيحت 14 مرة بعد سقوط الخلافة العباسية لأسباب طائفية،مرة من هذا الطرف ومرة أخرى من الطرف الأخر وسالت الدماء حتى أحمر نهر دجلة من كثرة دماء الضحايا التي رميت فيه. ولماذا نذهب لنستعين بالتاريخ القديم للتدليل على فداحة الفتنة الطائفية،فما جرى في العراق خلال الأعوام القليلة الماضية من مجازر بشعة شاهد حي وماثل للعيان على كارثية الشحن الطائفي وما يمكن أن يجره من ويلات.
إن أسوء شيئ نقدمه للوضع في البحرين هو تصويره على أنه أزمة طائفية،لأنه ببساطة سوف يدخلنا في نفق مظلم له أول وليس له أخر،وهو في الأساس توصيف غير واقعي. ليس الخطأ فقط المشاركة في الشحن الطائفي،بل حتى السكوت وعدم التصدي لهذا النوع من الطرح أو خطأ فادح،أما المشاركة في هذا الشحن فهو ليس خطأ بل هو خطيئة. المثل العربي يقول السعيد من أتعض بغيره والشقي من أتعض بنفسه. نتمنى أن نكون من السعداء الذين يتعظون بما حدث للآخرين،ولا نكون أشقياء فنتعظ بأنفسنا.
البحرين والنفق المظلم
الأزمة في البحرين كانت معقدة من الأساس،وجاء قرار الاستعانة بقوات خليجية ليصب الزيت على النار ويزيد الأزمة تعقيداً ويجعل الأمور تسير إلى الهاوية. تعامل دول الخليج مع الوضع في البحرين ينطوي على تناقض مع موقفها مما حدث في تونس ومصر وليبيا،فموقفها من ثورتي تونس ومصر كان موقف المتحفظ،أما موقفها من ثورة ليبيا فكان صريحاً في الانتصار للشعب الليبي والمطالبة بفرض حظر جوي على نظام القذافي،فلماذا أختلف الحال في التعامل مع الوضع في البحرين؟! أليس الشعب البحريني شعب عربي مثل بقية الشعوب العربية له الحق بأن يطالب بإصلاحات في بلاده،أم أن الباء تجر في مكان ولا تجر في مكان أخر.
حتى لو كنا لا نتفق مع المطالبين بالتغيير في البحرين،فلماذا نتدخل فيما يريده شعب أخر،ولماذا نظلم المطالبين بالتغيير وهم يمثلون شريحة واسعة من الشعب البحريني بالقول أنهم يأتمرون بأوامر إيران. هل يعقل أن يضحي أناس بأرواحهم من أجل بلد أخر. أما آن لهذه الأسطوانة المشروخة أن تتوقف عن العزف النشاز. إن استمرار إلصاق تهمة العمالة لإيران بالمعارضين للنظام سوف يدفعهم قسراً إلى الاستنجاد بإيران. علينا أن نتحلى بالإنصاف ونقيس الأمور جميعها بمسطرة واحدة،لا أن تكون مواقفنا محكومة بعصبياتنا الطائفية،فقمع الشعوب مرفوض ويجب أن يدان من أية دولة كانت من دون تحفظ. فحكم الأشياء فيما يجوز أو ما لا يجوز واحد.
إذا كان ما نتابعه ونشاهده من صور ومشاهد مروعة وسقوط ضحايا أبرياء في البحرين يمثل مأساة حقيقية على الجانب الإنساني فإن المأساة الكبرى هي أن يتحول ما يحدث في البحرين إلى فتنة طائفية ينتقل فتيلها إلى المنطقة ككل،وعندها لن نكون بمنأ من شررها المتطاير لا سمح الله. نحن مقبلون على فترة عصيبة وحرجة،ونتمنى أن يسارع أولو الحكمة والبصيرة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه،حتى لا تفلت الأمور مـن عقالها.
د. صلاح الفضلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق