الجمعة، 8 أبريل 2011

إنتفاضة البحرين حتى التدخل السعودي [The Bahraini Uprising Until the Saudi Intervention]



إنتفاضة البحرين حتى التدخل السعودي
[The Bahraini Uprising Until the Saudi Intervention]
07 Apr 2011

عندما بدأت الإنتفاضة في البحرين في 14 من شباط/فبراير،تدفق الآلاف من المواطنين إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاحات،بما في ذلك إصلاح الدستور،التحقيق في سرقة الأراضي العامة والذي يكلف خزينة الدولة مليارات الدولارات،وإنهاء التمييز المنظم. وسارعت الحكومة بإطلاق قواتها للتصدي للإحتجاجات. وفي خلال يومين،قتلت عناصر الأمن إثنين من المتظاهرين.
وبعد ذلك،تدفق عشرات الآلاف إلى الشوارع مطالبين بالثورة (إسقاط الحكومة)،التي واجهت دعوات التغيير خلال الخمسين سنة الماضية بالعنف،والإعتقال،والتخويف والنفي. وفي مواجهة هذا التهديد غير المسبوق من قبل الشعب،ألقى الملك حمد بن عيسى آل خليفة (عليهم لعنة الله) خطاباً على تلفزيون الدولة ليعبر عن أسفه ووعد بإجراء تحقيق لإلقاء القبض على المسؤولين عن هذه الأفعال. وبعد يومين،قامت شرطة الشغب التابعة لوزارة الداخلية بمهاجمة مخيم المحتجين في ساحة اللؤلؤة - والتي ذاعت شهرتها الآن - خلال الليل وقتلت أربعة من المحتجين المدنيين العزل. وهذه المرة،ظهر ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة (عليهم لعنة الله) على تلفزيون الدولة داعياً الجميع إلى الهدوء. وفي الوقت عينه،كان جيشه،قوات الدفاع البحرينية،يطلق النار بالقرب من ساحة اللؤلؤة،وقتل إثنين من المحتجين الذين كانوا يحاولون العودة إلى مخيمهم. وبينما تظاهر المحتجون خلال تشييع موتاهم،سمحت الحكومة لمجموعة من مناصريها بالتجمع في الجوفر،في اليوم ذاته الذي أعلنت فيه أنها ستمنع أي إحتجاجات،كما رخصت لتجمع كبير (مناصر للحكومة) رفع الناس خلاله صوراً لرئيس الوزراء وهللوا لحكومة أجازت لتوها قتل ثمانية من مواطنيها.
تدفق مئات الآلاف من البحرينيين،في اليوم التالي،إلى الشوارع منادين بإسقاط النظام،أما ولي العهد البحريني فوجه دعوة (للحوار). أغلب المتظاهرين رفضوا اللجوء إلى (الحوار) إذا لم تستقل الحكومة أولاً. كما قامت سبع منظمات سياسية مشاركة في تجمع اللؤلؤة بتقديم لائحة من المطالب وعلى رأسها إستقالة الحكومة. إلا أن إنعدام الثقة بين أغلب فئات الشعب البحريني وحكومته ليس بأمر جديد على الساحة البحرينية،حيث شهدت البلاد في فترات عدة مطالباً للتغيير لبنات وأبناء الشعب البحريني بكافة أطيافه من معلمين ومحامين وأعضاء الإتحادات وغيرهم رافعين راية التغيير في الأعوام 1954،1965،1972،1994،2002. ردود فعل الحكومات البحرينية في الأعوام المذكورة آنفاً كانت شبية بما تشهده البلاد الآن. حيث لم تتعامل الحكومة مع المطالب بالتغيير بصورة جذرية ولم تقم باتخاذ أي خطوات جدي للتخلي عن بعض سلطتها،بل استعملت شبكة علاقاتها ولجأت للمتعاونيين والأصدقاء ذوي النفود والأقوياء للحصول على دعم. ومن ضمن الخطوات القليلة التي إتخذتها الحكومة كرد على الإحتجاجات الأخيرة ولكنها لا تعالج أساس المشكلة ولا تتجاوب مع المطالب الرئيسية التي أوردناها في بداية المقال هي قيام ملك البحرين بإصدار أمر بإطلاق سراح مئات السجناء السياسيين،القامعين في سجونه منذ الإنتخابات الأخيرة العام الماضي. ومن بين الذين أعلن عن إطلاق سراحهم 23 شخصاً قيل أنهم سجنوا بتهمٍ إرهابية. أكد الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين للكثير من البحرينيين بأن إدخال هؤلاء للسجن بالدرجة الأولى كان لأسباب سياسية وليس بسبب التهم الأرهابية التي كانت موجهة اليهم أو غيرها من تهم. كما قامت الحكومة بتغيير وزاري،كان بمثابة توزيع جديد للحقائب الوزارية لا يرقى لما يمكن وصفه بالتغيير الجدي. قامت الحكومة في 13 شباط/فبراير بالإعلان عن نيتها تخفيض ديون السكن بنسبة 25 بالمئة بالإضافة إلى وعدها ببناء  50الف وحدة سكنية جديدة. تلت دعوة (الحوار) التي أطلقتها الحكومة،لقاءات مطولة مع ممثلي حكومات عديدة منها المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات ومجلس وزراء مجلس التعاون لدول الخليج العربية إضافة إلى الولايات المتحدة. وذلك في الوقت الذي لم يسمع الشعب في البحرين أي جديد حول المطالب السبعة التي قدمتها منظمات المعارضة. كما أننا وبعد مرور ما يقارب الشهر على مقتل متظاهرين لم نسمع عن أي نتائج للتحقيق الذي من المفترض أن يتم. كما تم تغييب منظمات حقوق الإنسان عن طريق عدم تزويدها بأي معلومات حول هذا الموضوع. ولم تحرك الحكومة ساكناً يذكر بعد مقتل المدنيين،لكي تشجع المعارضة والمحتجين بالجلوس معها على طاولة الحوار المزعوم.
ثم قامت الصحافة الحكومية،ومأجورو الحكومة من الموظفين والمدنيين الذين نظموا التجمعات (الموالية للحكومة) بتصوير المحتجين على أنهم غير راغبين بالمضي قدماً. ومنذ الأسبوع الماضي،عملت الحكومة بتأن على إعطاء الأنطباع بانها (راعية السلام) بين شعب منقسم،وذلك عن طريق إعطاء التمر والماء إلى المحتجين خارج أحد قصور الملك. وطبعاً،تعلمت الحكومة هذه الأستراتيجية من الأميركان،الذين أعطوا العصائر والمعجنات إلى المحتجين أمام سفارتهم.
بعد ذلك،رفعت الحكومة يدها عن الأمر،وسمحت للعنف بالإنتشار في المجتمع المدني. ومنذ يوم الجمعة،عندما سار المحتجون نحو المحكمة الملكية،سمح النظام للغوغاء بالإنتشار في البلد. وتم التقاط صورٍ للكثير من الموالين للحكومة والبلطجية في هذا التجمع،وللمصادمات التي وقعت بينهم وبين المدنيين. وكانت في حوزة البلطجية،الملثمين في وضح النهار وبمباركة صامتة لقوات الأمن التي كانت تقف بالقرب منهم،أسلحة مصنوعة بسرعة بما في ذلك ألواح من الخشب والسيوف.
وفي يوم السبت،قام وزير الدفاع الأميركي روبرت غايتس بزيارة لـ البحرين وقال بعلانية للحكومة البحرينية (إن خطوات مثل خطوات الطفل غير كافية). وفي يوم الأحد،سمحت الشرطة،والتي لا ترى ضيراً في الأيام العادية في اقامة حواجز للتفتيش عند مداخل المناطق السكنية وإيقاف كل فرد يريد المرور عبرها،للمحتجين باقامة السواتر أمام مرفأ البحرين المالي. وجاء الإعلان المسبق عن هذا العصيان المدني كخطوة تهدف الى زيادة الضغط على الحكومة. ولكن الفرق هنا أن الشرطة لم تعترض طريق المحتجين،ولكن مع بدء ساعات الدوام بدأت باستخدامها المعتاد للقوة المفرطة،بما في ذلك أطلاق الغاز المسيل للدموع على موظفي القطاعات المصرفية والمالية خلال عملية التصدي للمحتجين.
وفي محاولة لأستغلال التغيير في الرأي العام بسبب حوادث مرفأ البحرين المالي قام التلفزيون الحكومي بتغطية منحازة وانتقائية لأحداث ذلك اليوم،مصوراً المحتجين على انهم بلطجية عنيفين،مما أدى إلى زيادة غضب الشارع المتوتر أصلاً. وأتصل مشاهدو هذه القناة (وهم عملياً من الموالين للنظام) لمناقشة الأحداث. ودعا أحدهم مجلس التعاون لدول الخليج العربي إلى التدخل (لتقديم الحماية) للبحرينيين من المحتجين. وفي محاولة لكسب الرأي العام العالمي،بدأ موظفو الحكومة والموالون لها بوصف المحتجين على أنهم (إرهابيون)،و(قطاع طرق)، و(عناصر أجنبية) تستخدم العنف.
ومن أجل كسب دعم لأفعالها،ولحماية سمعتها العالمية التي تهتم بها أكثر من اهتمامها بشعبها،تحاول الحكومة البحرينية إعطاء إنطباع بأنها تعمل جاهدة من أجل عودة السلام والنظام فيما هي تعمل في الوقت عينه على تشجيع الكره الطائفي. إذ صار التلفزيون البحريني منبراً لرأي المتطرفين من الموالين للحكومة،حتى أن أحد المتصلين عرض على المتظاهرين (العودة الى أيام صدام،وكيف أنه أي صدام) تعامل مع الشيعة في بلده. وللتذكير هنا،وبالرغم من أن شيعة البحرين يشكلون أغلبية المحتجين وذلك لأنهم أغلبية السكان ولأن الحكومة تميز ضدهم بشكل قوي بإن هذه الأحتجاجات ليست (إنتفاضة شيعية) كما تروج لذلك الحكومة والطبقة السنية العليا.
وفي البحرين،يبدو أننا أمام أحد خيارين. إما خيار الشرطة التي تهاجم أي شيء يتحرك،أو لا شرطة على الإطلاق،أي الفوضى. وبعد يوم من سيطرة الغوغاء على شوارع البحرين وبعد سقوط ضحايا بأعداد كبيرة عقب العنف المدني في جامعة البحرين وفي مناطق أخرى يوم الأحد،أصدر ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة (عليهم لعنة الله) مرة أخرى بياناً اعلن فيه عن إستعداده للحوار. ولكن بيت القصيد كان في جملته الأخيرة،حيث حذر قائلاً (إن حق الأمن والأمان هو فوق أي إعتبار). وفيما قامت قوات الجو الملكية البريطانية بمساعدة النظام في قمع شعبه عام 1965،فاليوم تلعب المملكة العربية السعودية (لعنها الله) ودول مجلس التعاون الخليجي هذا الدور بدلاً من قوات الجو الملكية البريطانية. فقد وصلت قوات درع الجزيرة إلى البحرين يوم الأثنين. وفي الليلة نفسها،أصدرت الولايات المتحدة بياناً تدعي فيه عدم علمها بالقرار - بالرغم من أن عبور الدبابات السعودية (لعنها الله) للجسر المؤدي الى البحرين جرى في الوقت الذي كان فيه قائد الفيلق الأميركي الخامس،الجنرال ماركس فوكس،في إجتماع مع قائد قوات الدفاع البحريني خالد بن أحمد آل خليفة (عليهم لعنة الله) لبحث التنسيق العسكري والتعاون الدفاعي.
ويهلل الموالون الحكومة الذين انشدوا سابقاً (التدخل الأجنبي! الأرض الأجنبية!) الآن لدخول جيش بو متعب (لعنهما الله)،مدعين بأن إيران تساند الأنتفاضة البحرينية. لقد جلبت لنا هذه القوات يوماً أسود في تأريخ البحرين. فقد تم إعلان حالة الطوارئ. وهناك أنباء عن عنف مدني ومداهمات للجيش،مما يعني ازدياد عدد القتلى والجرحى. فتعرض أهالي مدينة سترة للغاز المسيل للدموع وللرصاص،كما أطلق الرصاص على سيارات الأسعاف،وتمت مهاجمة الكادر الطبي والمراكز الطبية. وأهل سترة،الذين حملوا الملك البحريني على ظهورهم وطافوا به في الشوارع للأحتفال بالتغييرات التي وعد بها،ولم يفي بهذا الوعد،في إعلان ميثاق العمل الوطني عام 2002.
ومن الواضح،بأن الدعوة الى الحوار كانت غطاء لتسوية قاتمة والتي أنجبت هذا اليوم القبيح في البحرين،ومن المحتم أن تجلب هذه التسوية أياماً أكثر قبحاً. وأيدي هذا النظام،ومجلس التعاون لدول الخيلج العربي،وأصدقاؤهم من تجار الأسلحة،ومن الموالين الذين يجاهرون بدعمهم والصامتون،ملطخة بالدم اليوم،وليس من الممكن غسلها.
في اليوم الذي أنتهكت فيه القوات السعودية (لعنها الله) السيادة البحرينية وحياة شعب البحرين،قال البيت الأبيض (نحن لا نعتبره إحتلالاً). فلعل البيت الأبيض يعتبر هذا الأنتهاك (عملية الحرية البحرينية) كما هو الحال في العراق؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق