الخميس، 23 ديسمبر 2010

إسلام الجماعة أم إسلام المجتمع؟


29/11/2010

إسلام الجماعة أم إسلام المجتمع؟

يعتبر الخوض في المسألة الدينية إحدى أكثر المسائل تعقيدا و غموضا بالنظر إلى ما يترتب عنها من ردود أفعال إن على مستوى النظر أو الممارسة وهو أمر يعود - ربما - إلى كون الظاهرة الدينية مرتبطة بالوجدان والعاطفة مع ما يقتضيه هذا الارتباط من غياب للمراجعة العقلية والنقد الفكري على أن هذا لا يمنع وانطلاقا من حرية الفكر،ودون أن ينصب المرء نفسه قاضيا،أن نبحث في المسألة الدينية بوصفها ظاهرة من الظواهر الاجتماعية،اعني الدين كممارسة عند الناس في بعديه العقدي والطقوسي ...
دين واحد أم مذاهب متعددة؟
بداية ليس من السهل حسم طبيعة المعتقد السائد لدى جماهير الناس ولا نقصد هنا تعدد العقائد الدينية فهذا أمر ليس هنا مجاله وإنما تعدد التصورات العقدية داخل الدين الواحد وهو أمر يصل حد التناقض والاحتراب وهو أمر لا يخلو منه دين من الأديان والنموذج الذي نقصد إليه هنا هو الإسلام،فهذا الدين منذ نشأته كان عرضة لتحولات تاريخية أثرت على المستوى النظري العقدي فيه بصورة لا يمكن تجاهلها وهو أمر يحضر متى تطرقنا إلى قضايا الفرق والمذاهب وبإمكان أي باحث متى عاد إلى كتب الملل والنحل أن يكتشف هذا التعدد والافتراق والتنازع على مستوى الرؤى والنظريات ...
لقد بدأ الخلاف في صورته الأولى سياسيا ومن اجل مصالح الدنيا ليرتقي إلى مستوى الاختلاف المذهبي ولينتهي في مرحلة لاحقة إلى صراع طائفي لاتزال مفاعيله حاضرة بقوة إلى حد اللحظة الراهنة. إن هذا الصراع كان له أثره عند كل محاولة لإعادة بناء الخطاب الديني من جديد وهو أمر نلحظه لدى الحركات الدينية جميعا ...
إسلام الجمــاعة:
إن كل حركة دينية تحمل ثقل هذا الاختلاف التاريخي والذي يجد جذوره في النص الديني ذاته ومن هنا فهي عرضة لان تقع تحت وطأة أمرين شاءت هــذا أم أبت:
أولها: الادعاء بأنها تعود إلى الجذور الأولى للإسلام أي محاولة رفع لواء النقاء العقدي وتبني الإسلام بصورته الأولى في لحظة ميلاده في جزيرة العرب وتشترك في هذا الادعاء كل التوجهات الدينية بغض النظر عن اختلافاتها (سواء كانت تيارات صوفية أو سلفية ، سنية أو شيعية ، باطنية أو خوارج) وفي هذا الإطار يلعب حديث الثلاث وسبعين فرقة دورا أساسيا باعتبار أن كل جماعة دينية في النهاية تعلن نفسها بوصفها الفرقة الناجية هي التي تطبق ما عليه الرسول وأصحابه.
ثانيا: وهذا الادعاء يترتب عن الأول وهو أن القول بالنقاء والتميز على مستوى العقيدة يؤدي بأصحابه إلى إلغاء المجتمع لمصلحة الجماعة باعتبار أن باقي الناس إن لم يلتزموا بما فهمته الجماعة من الدين فهم من الكفار أو الزنادقة أو على الأقل من العاصين وهو أمر ينجر عنه محاولة إقصاء المخالف مع ما يستتبع ذلك من عنف وولوغ في الدماء.
إن هذا الفهم الضيق للإسلام يجعل الرؤية الدينية الخاصة بحركة أو حزب أو جماعة تعمم على الجميع بصورة تمنع أي شكل من أشكال الإبداع أو التطور على مستوى الفكر أو على مستوى الممارسة وهو أمر ملاحظ في كثير من المجتمعات الإسلامية التي يحكمها المذهب الواحد المغلق (إيران الشيعية مثلا ... أو المملكة السعودية الوهابية...) ...
إسلام المجتمع:
إن الحديث عن العودة إلى الأصول الدينية النقية مع مايتضمنه من تأكيد على وجود لحظة أولى للتمامية والاكتمال كلما ابتعدنا عنها ازداد الناس نكوصا وتدهورا يصادر ما يمكن تسميته (الإسلام الشعبي) أو ذاك التدين غير المنغلق وهو تصور يتصادم مع الرؤية السلفية للإسلام (انه صراع بين العقيدة السلفية الخالصة وبين الفكر الإسلامي في مناحيه ومدارسه المختلفة) كما يقول هادي العلوي. فإسلام المجتمع يرفض الخضوع لإسلام الجماعة بكل نزعاته التطهرية المغالية والتي تختزل كل مشاغل الناس في جملة من الشكليات (كاللحية والجلباب ...) بينما يظل المشغل الرئيسي للناس هو حياتهم اليومية وتوفير القوت بل إن الذي حكم تاريخ الإسلام بكل مراحله هو صراع سياسي ذو خلفية اجتماعية لا يمكن أن ننفيه وان تزيا بمسوح الدين في كثير من الأحيان وبدا في صورة سافرة في أحيان أخرى .. إن إسلام المجتمع هو نمط من المعتقد الشعبي الذي يجمع بين المتناقضات دون شعور بالإثم والذي يعيد قراءة النص بعيدا عن وصاية الفقهاء أو فتاوى الوعاظ،انه الدين بصورته الطبيعية بوصفه ممارسة تخضع لحركة المجتمع وتتطور مع التحولات التاريخية وهو أمر شهدنا مثله في المسيحية بفعل حركة التنوير التي شهدتها اوروبا .. غير أن الإسلام لدينا،ما دام يحتجزه البعض في الكتب الصفراء فانه لن يتحرر من عنف الحكام وسطوة الفقهاء إلا إذا ترك لصورته الأولى ونعني به شأنا خاصا بين العبد وربه دون تسييس أو توظيف من حكم أو معارضة.

سمير حمـدي - تونس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق