15/10/2009
العلمانيه بين التبشير و التنظير 2
كما قلت بالموضوع السابق أن التعصب العقائدي للشخص قد يتم ربطه بالعلمانيه ويستغلها للتبشير وبالنسبه للمسلمين فأنهم يرون هذا التعصب الحادي أو ارتدادي غير مسلم وهناك عوامل وأسباب كثيره لذلك ساحاول أن أشملها بالنقاط التاليه:
السبب الأول هو أن نسبه لا بأس بها من العلمانيين يتركون الإسلام او يتحولون الى مسلمين غير ممارسين للعبادات وبمناسبة الحديث عن المسلمين الغير ممارسين يجدر بالذكر أن الكثير من مسلمي الدول العربيه خصوصا الشعوب التي تعيش برخاء مادي كشعوب الخليج وخصوصا الكويت هم مسلمون غير ممارسون والمقصود بهذا المفهوم هو الإنحراف بسلوكيات المسلم ونمط حياته الإجتماعي عن متطلباته العقائديه أو بتعبير أقسى وأبسط التناقض والنفاق الذي نراه يوميا بأفراد هذه المجتمعات الذين يمارسون التدين الظاهري كنوع من أنواع التقيه. الغريب بقضية الفرد المؤمن الغير ممارس أنه غالبا يكون فردا مسالما لا يؤمن بقمع الآخر لأن انحرافه هو اعتراف غير مباشر منه بتقديم الأولويات الحداثيه على الأولويات الغيبيه وعلى فكره هذا ليس عيبا بل هو الوضع الطبيعي الذي سيحقق له التعايش السلمي مع الآخر. أما بحالة المسلمين نلاحظ العكس تماما فالعديد ان لم يكن أغلب الغير ممارسين تجدهم لا يقلون قمعا ودكتاتوريه عن أي إسلامي متطرف خصوصا بقضايا الحريات التي تصدم بشكل مباشر مع الدين كالرأي ؛ الإعتقاد و السلوك. واتوقع ان الفرد الذي لا يؤمن بهذه الحريات يستحق بجداره لقب القمعي والمتطرف وليس من يطالب بها.
السبب الثاني هو أن الإسلام دين ثيوقراطي والعلمانيه نقيض الثيوقراطيه. لكل أمه عصرها الذهبي وتاريخيا لا ننكر أن زمن الدوله العباسيه قد يكون الأفضل بتاريخ المسلمين من ناحية ازدهار العلم والمعرفه. ليست المشكله بإعتراف العموم او حنينهم الى أمجاد الأمه الإسلاميه بالماضي كحالة الدوله العباسيه لكن المشكله هي تسويق التيارات الإسلاميه للعوام بأن المجد والتقدم لن يتحقق للأمه الإسلاميه من جديد إلا ان عادت الى الأصول ومفهوم هؤلاء للعوده الى الأصول هو مفهوم يدمر كل مقومات الحداثه والتقدم للدول وسكانها فهم يريدون نظام خلافه وفتوحات جهاديه وشورى وهذا أمر مرفوض من الناحيه السياسيه أما من النواحي الأخرى فهم يتكلمون بإسم الله والويل لكل من يعارضهم مهما بلغ من علم ومعرفه بمجال أو اختصاص معين.
السبب الثالث هو أن الأمر المعروف والنهي عن المنكر هو مفهوم يعزز قمع حريات الرأي ؛ الإعتقاد والسلوك ؛ لذلك شيء طبيعي أن نرى العلماني المسلم سلبيا او لا مباليا بل ببعض الأحيان متحالفا مع الأصوليين بالقضايا السياسيه والإجتماعيه كي لا يصبح بموقع مواجهه تصادميه مع الدين. وهذا الامر هو أحد أهم أسباب تقهقر التيارات الليبراليه بالدول العربيه.
العلمانيه لا تحمي حرية الغير مسلم بالتعبير او الإعتقاد بسبب التعاطف أو التأييد كما تظن الشعوب الإسلاميه. بل هي تفعل ذلك لأن الطرف المسلم قد بالغ بمقدار القمعيه والدكتاتوريه التي يمارسها على الطرف الغير مسلم فبالتالي واجب على العلمانيه الوصول بالمجتمع الى حاله من التوازن النزيه العادل.
لنفرض ان الوضع معكوس وأن المجتمع خاضع لسيطره الحاديه تحرم الناس حقهم من انشاء دور عباده. تعلم الاطفال بالمدارس أن الاديان عباره عن خزعبلات وأتباعها مجانين يستحقون الإزدراء والقمع. سيطره تضع بيد الإلحاد السلطات كلها بما فيها السلطه الرابعه (الإعلام). كل هذه وسائل ضغط فكري تفرض على العقول اتجاها واحدا دون توفير بدائل أخرى ومن يتجرأ حتى أن يذكر تلك البدائل سيصبح مجرما. ماذا تسمون ذلك اليست دكتاتوريه؟ نعم؛ انها دكتاتوريه يعيشونها ويفتخرون بها لأنهم ينظرون الى الأمور من جانب واحد ومن وجهة نظر واحده.
هناك من سيقول لكن الأغلبيه تفكر هكذا أرد عليه وأقول له بالمقاييس الحضاريه لا يوجد شيء اسمه اغلبيه تفكر هكذا اذن يجب ان يسخر كل شيء بخدمة هذا الفكر ويتم الغاء الآخر وحرمانه من ابسط حقوقه الا وهي التعبير عن نفسه واختيار ما يريد من افكار آخرى.
مهما كان رأي الفرد مختلفا عن الأغلبيه واجب على المجتمع العلماني المتنور حماية حقه بإبدائه. لذلك بذاك المجتمع ماهية معتقد ذلك الفرد أو غيره ليست القضيه بل القضيه هي ضمان حق الجميع بحرية الإختيار.
كما العلمانيه وقفت بوجه الكنيسه بعهد التنوير في اوربا ومطالبه هي اليوم ان تقف بوجه الاصوليه الإسلاميه في العالم العربي. فالهيمنه الاصوليه اثبتت يوما بعد يوم عقمها وعدم جدواها بتحقيق أي انجاز يضع الإنسان العربي المعاصر بخانة التحضر والرقي.
لذلك واجب العلمانيين الحقيقيين عدم تقييم الناس او أزدرائهم لآرائهم الإعتقاديه بل رفض تلك الممارسه القمعيه التي تدعمها بكثير من الأحيان قوانين جائره لا تعترف بالمقاييس الدوليه لقيم حقوق الإنسان. أن دعاوي التنوير والإنفتاح لا تهدف لتدمير المجتمع كما يدعي البعض بل هي تهدف الى تعايش سلمي محايد بوجود الإختلاف الفكري بين الافراد.
كم اتمنى ان ارى اليوم الذي تنفصل فيه تلك الدعاوي عن مستوى الدين أو اللادين واتمنى أن يلتزم معتنقوها بمبادئهم دون تحيز لتوجههم العقائدي رغم أن العكس هو الحاصل.
تحديث: مقالة الاستاذ أحمد البغدادي عن الدستور الكويتي و العلمانيه:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق