الأحد، 28 أغسطس 2011

سقوط مبارك يهدد مخططات السعودية للهيمنة على العالم العربي


سقوط مبارك يهدد مخططات السعودية للهيمنة على العالم العربي
06/05/2011
اليوم السابع
ود.. وابتسامات.. ولقاءات متكررة
عمرو جاد: المملكة تعاملت طيلة 30 عاماً مع مصر باعتبارها نظاماً بدون شعب وامتدت أصابعها لاختراق الأزهر والإعلام المصري .. ثم جاءت الثورة لتكشف تناقضاتها تجاه المصريين.
في التسعينيات من القرن الماضى،كان المصحف ذو الغلاف الأخضر الفاخر،هو الأشهر بين نظرائه المطبوعين بمصر والحاصلين على موافقة وتصريح من الأزهر،حيث كان يوزع على الطلاب،وكانت المدارس تتهافت على نصيبها في «الهبة» المقدمة من الملك فهد بن عبدالعزيز عاهل السعودية،ليصبح «مصحف الملك فهد» هو القاسم المشترك في الكتب التي تسلم للطلاب مع دخولهم للمرحلة الإعدادية،وكانت أوراق المصحف بلمعانها وحروفها الواضحة،وفخامة الطبع والتغليف،تمثل للمعلمين والطلاب في المدارس صورة ذهنية مصغرة لما تنعم به المملكة آنذاك من ثراء،في ذات الوقت الذي يمثل فيه العائدون من العمل بالخليج «والسعودية على الأرجح» المثال الواقعي لسرعة التخلص من الفقر،وتحقيق الأحلام المؤجلة لظروف البطالة أو ضآلة الدخل،في وقت خصصت فيه السعودية أكثر من ملياري دولار سنوياً لدعايتها الخارجية،كان لمصر النصيب الأكبر بوصفها حجر العثرة وصاحبة المركز الأول دائماً مما يضع السعودية في مراكز تالية دون الأول.
وتزامناً مع هذا التأثير المباشر للوجود السعودي في مصر،كانت الإدارة السياسية بالمملكة تسعى لتكون على نفس مستوى قامة مصر في العالم والمنطقة العربية،واستخدمت كل طاقاتها المادية والسياسية للوصول لهذه المكانة،وكان الداخل المصري أحد المستهدفين بهذه الرغبة،خاصة أن علاقتها بالنظام المصري متوائمة،حيث كان هذا النظام حريصا على كسب ود النظام في المملكة بحجة أن عدد العاملين المصريين بـ السعودية وما يحولونه من أموال يستحق كثيرا من التنازلات،حتى إن كانت تلك التنازلات غير مرئية مثل أن تفسح الدولة مجالاً للمناهج السعودية للتسلل داخل المناهج التي تدرس بالأزهر،أو إعارة بعض الخريجين إلى جامعتي أم القرى أو الملك سعود،أو حتى ذهاب بعضهم فرادى لتلقي العلوم الشرعية على يد الشيخ/ العثيمين وابن باز،أو حتى إنشاء مركز «صالح كامل» للاقتصاد الإسلامي،داخل جامعة الأزهر عام 1970،وتخصيص وديعة باسمه بقيمة مليون دولار في أحد البنوك،ونضجت الوجبة الفكرية السعودية بعد سنوات بإنتاج جيل كبير من السلفيين الذين يعتبرون الانتماء للوطن يأتي في المرتبة التالية للانتماء إلى القومية الدينية «الإسلامية»،وهو ما يزيد من فرص السعودية في قيادة العرب ذوي الهوية الإسلامية،بوصفها مهبط الرسالة المحمدية ويوجد بها الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين في العالم.
ولم يكن التواجد السعودي ذو الطابع الديني في الأزهر عفوياً - بوصف الأخير مركزاً للتعليم الديني - بقدر ما كان هذا التواجد تحدياً لوسطية الأزهر الذي يمثل مكانة مصر الدينية،والتي لم يؤثر فيها رفض السعودية لكسوة الكعبة التي أرسلتها مصر عام 1962 كعادة سنوية،فظلت تلك المكانة تؤرق السعودية التي تعتبر نفسها مركز العالم الإسلامي «السني»،فكان اختراق الأزهر مهمة وطنية للفكر السعودي،ولكن التواجد الإخواني في الأزهر «الجامعة» قلل من تأثيره وإن كان بعض من الإخوان قد أصبحوا أدوات لهذا الفكر،ولكن أتباع التيار السلفي كانوا أكثر وضوحا في رضاهم عن هذا التوجه.
وكانت الأنظمة السابقة خاصة نظامي مبارك والسادات،لا تبالي بالطموح السعودي لأسباب عديدة أهمها أنهما كانا يعيشان على ثقة تاريخية بدور مصر ومركزها بين العرب - في وقت وصل فيه هذا الدور لأدنى مستوياته - وكانت تلك الأنظمة تعتقد أن المقابل المادي لهذا الطموح كفيل بغض الطرف عنه،وربما كانت مصالح شخصية لقيادات بارزة في النظام وراء هذا التغاضي،حتى إن كثيراً من الصحف كانت تستشرف المزاج الرسمي للقيادة السياسية قبل أن تشن هجوماً على النظام السعودي،وبعضهم طارت رقبته لمجرد الخوض في هذا الأمر،وأبرز الضحايا في هذا الأمر كانت جريدة صوت العرب والتي أغلقتها الادارة المصرية عام 1988 لانتقادها الخط السياسي السعودي في المنطقة العربية،وجريدة مصر الفتاة التي أغلقت عام 1990 لنفس السبب،وفي التاريخ الحالي كان نادرا أن تجد مسؤولاً سعودياً يتعرض للنقد في صحيفة مصرية،حكومية على الأخص،بل إن بعضها كان يهلل لوجود الوليد بن طلال في توشكي،رغم كل الصراخ حول الخدعة الكبرى التي يمثلها هذا الوجود،ومدى استفادة الوليد نفسه من علاقته بالنظام الحاكم حينئذ،وتمدده إعلامياً داخل مصر بقنوات روتانا واحتكارها للتراث الفني المصري تتويجاً لـ 50 عاماً من محاولات التمدد بالأموال المتدفقة من النفط السعودي.
ومن كثرة ما كان النظام السعودي ينظر لنظيره المصري لكي يناطح مكانة الدولة المصرية،فقد ارتبط به كثيراً وتعامل كثير من أفراد العائلة المالكة هناك مع الملف المصري على أنه نظام فقط بلا شعب،وحكومة بلا جماهير،فارتبطت مصائر أشخاص في النظامين ببعضها البعض،ورغم كل محاولات الدوائر السعودية لنفي تلك العلاقة،لكنها كانت أول الأهداف التي أصابتها سهام النقد التي وجهها المصريون بعد ثورة 25 يناير،بوصفها من أول الدول،وربما الوحيدة،التي اتُّهِمَت بأنها عرضت استقبال الرئيس السابق مبارك،على غرار زين العابدين بن علي،ولم تفلح أيضا محاولات السفير السعودي لدى القاهرة في نفي ذلك أيضا،لأنه وقع في تناقض أفقده مصداقيته في هذا الشأن حينما اتهم الإعلام المصري بالتحامل على الوليد بن طلال،في الوقت ذاته الذي اعترف فيه مواطنه الأمير طلال بأنه أخبر الوليد بأن مصر أهم من أراضي توشكي،وكان آخر تلك التناقضات تأكيد السعودية عدم دخولها في تفاوض حول مصير الرئيس السابق،في الوقت الذي أوردت فيه تقارير رقابية أن مبارك يمتلك أسهما في فنادق بـ السعودية بما يفوق 300 مليون ريال سعودي.
وقد عزز التوجه السلفي داخل مصر برفض قطاعات كبيرة منه للثورة - وإن كان هو التيار الأكثر استفادة منها - والتقائه مع الفتاوى السعودية التي حرمت المظاهرات في المملكة عقب تنحى مبارك،النظرة الغالبة بشأن تعامل السعودية مع مصر بعد الثورة بتجاهل في بداية الأمر ثم مخاوف من انتقالها للملكة،وأخيراً الحرج الذي سببه الحديث عن العلاقة المتوطدة بين النظام السعودي ومبارك وعائلته،فكان الالتقاء السلفي المصري مع الرغبة السعودية،ليكشف ولو بشكل يكتنفه الغموض مصلحة السعودية في عدم سقوط مبارك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق